[[{“value”:”
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
في مشهدٍ لا يقل في دلالته عن تلك السواعد القويّة التي تحمل السلاح وتواصل الصمود بوجه العدوان الصهيوني الغاشم على مرّ 404 أيامٍ تواليًا دون كللٍ أو مللٍ، يطلّ طفلٌ في غزة بعزيمة مقاتل وبأس رجلٍ فتيٍ وهمّة تناطح عنان السماء.
فيكسر حاجز المنطق وقوانين الفيزياء، مشمرًا عن ساعد الجدّ صارخًا “أعطيني القوة يا الله”، قبل أن يرفع “قالونات” ماءٍ كبيرةٍ لربما يجهد في حملها الكبار، ثمّ يمضي بقدمين حافيتين يدوس حصا الطريق بعزة مؤمنٍ يئس من نصرة أمته وخذلانها، والتجأ إلى الله ليمنحه العزيمة وقوة الساعد وعُرض المناكب ليستطيع حمل همّ شعبه وأسرته فيوصل لهم “شربة ماء” تنقذ حياتهم، وعزّت على أهل غزة في أزمنة الذل العربي والإسلامي.
هي صورةٌ من صور البطولة التي ما زال يخطها أطفال غزة قبل كبارها، في رواية الصمود الأسطوري، التي كتبت تاريخ العزة والمجد بمدادٍ من ذهب وحروفٍ من نورٍ، لشعبٍ ما زال يلقى كل صنوف الإبادة والترويع من أبسط حقوق الإنسان، وواجهوا صنوف الأهوال العظام التي جعلت هؤلاء الأطفال كهولاً وشيبًا وكبروا عقودًا قبل أوانهم.
فتجد مثل هذا الطفل وأمثاله يمتهنون الأشغال الشاقة ويحملون الأعباء الثقال بعد أنّ قتل الاحتلال بإجرامه آباءهم وإخوتهم الكبار وأمّهاتهم وجعلهم بلا مأوى يسعون على من تبقى من أهلهم، فيقومون بواجبات الكبار اضطرارًا متخلين عن حقوقهم في طفولة يعيشون تفاصيلها، ورغم كل ذلك يبقون متمسكين بالأمل أن يتوقف العدوان.
أمل لا ينكسر
ويتبادر سؤال إلى أذهان الكثيرين، كيف هو حال أطفال غزة منذ أكثر من 400 يوم من العدوان الإسرائيلي على القطاع؟
نشاهد منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطفالا بأجسام قوية مقاومة لأصعب الظروف المعيشية التي ممكن أن تمر على الإنسان، بحسب تقرير مصورٍ للجزيرة نت.
أطفال تعجب العالم من طريقة تفكيرهم وإيمانهم وفصاحتهم، كأنه يرى رجالا أشداء حكماء لكنهم أطفال.
فلدى الأطفال في قطاع غزة المحاصر تجربة حياة مختلفة تماما عن سائر أطفال العالم، فهم يكبرون سريعا بسبب وعيهم وتشربهم الواقع من حولهم، وبسبب التجارب التي يمرون بها وخصوصا تجارب الحروب التي تؤلمهم وتجعلهم صامدين وأكثر شجاعة وإحساسا بالمسؤولية.
ربما نتعاطف معهم ونتألم حينما نراهم يصرخون متألمين من الفقد تارة ومن الإصابة تارة أخرى، ولكنهم مع ذلك يعيشون الحياة رغما عن كل المصاعب والظروف التي وضعها الاحتلال أمامهم ولم يستسلموا يوما أبدا.
أرقام مرعبة
وقد فاق عدد الشهداء الأطفال في غزة مثيلهم في نزاعات العالم خلال 4 سنوات، فأرقام الأمم المتحدة تظهر أن 12 ألفا و193 طفلا قتلوا في نزاعات حول العالم بين عامي 2019 و2022.
وتمت مقارنة هذه الأرقام مع تقارير وزارة الصحة في غزة، إذ تشير إلى استشهاد أكثر من 17 ألفا و385 طفلا في القطاع الفلسطيني، وذلك خلال 400 يوم من حرب الإبادة.
ودعا المكتب الإعلامي الحكومي بغزة مرارا وتكرارا على مدى عام من الحرب “كل دول العالم الحر وكل المنظمات الدولية والأممية إلى الضغط على الاحتلال وعلى الأميركيين من أجل وقف حرب الإبادة الجماعية وإنقاذ الأطفال”.
بقعة قاتمة جدًا في التاريخ
وندّدت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة بالانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها إسرائيل في ما يخصّ اتفاقية حقوق الطفل في إطار حربها على قطاع غزة، مبيّنةً أنّ تأثير حرب الإبادة على غزة أتى “كارثياً” على الأطفال الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة إلى استشهاد أكثر من 41 ألف شخص في القطاع مذ شنّت إسرائيل حربها على القطاع المحاصر، علماً أنّ نحو 70% منهم أطفال ونساء. يُذكر أنّ الحال كذلك بالنسبة إلى الجرحى الذين فاق عددهم 95 ألف جريح والمفقودين الذين يتخطّون 12 ألف مفقود.
وصفت اللجنة الأممية تلك الانتهاكات بأنّها من بين الأسوأ في التاريخ الحديث، حيث صرّح نائب رئيس لجنة حقوق الطفل لدى الأمم المتحدة براغي غودبراندسون، أمام الصحافيين في جنيف، بأنّ “مقتل الأطفال على هذا النحو الفظيع أمر غير مسبوق، بحسب ما أعتقد”، واصفاً ذلك بأنّه “بقعة قاتمة جداً في التاريخ”.
“}]]