أطباء غزة.. بواسل لا يستسلمون بأقسى الظروف

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

على مدار 39 يوما من الحرب الإسرائيلية الوحشية المتواصلة على قطاع غزة، والتي طالت المستشفيات دون تمييز، سطر الأطباء في غزة ملحمة بطولية تاريخية ظهرت في إصرارهم على البقاء في أماكن عملهم واستشهاد بعضهم.

وأظهرت مقاطع فيديو على منصات التواصل، قصة الطبيب الشاب همام اللوح طبيب الكلى الوحيد في مستشفيي “الشفاء” و”شهداء الأقصى”، والذي استشهد فجر أمس الاثنين في غارة إسرائيلية استهدفت منزله بغزة.

وتداول ناشطون آخر رسالة للطبيب قبل استشهاده عندما سألته الصحفية الأميركية المعروفة إيمي غودمان عن سبب عدم مغادرته المستشفى إلى مكان آمن في الجنوب، فكان رده: “إذا غادرت من سيعالج المرضى؟ إنهم بشر يستحقون الرعاية الصحية وليسوا حيوانات”.

وأضاف اللوح: “هل تعتقدين أنني درست الطب لأكثر من 14 عاما لأفكر في حياتي وأترك المرضى؟”.

والأحد الماضي استشهد طبيبان، وأصيب نازحون جراء قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى مهدي للولادة غربي قطاع غزة، فقد استشهد الطبيبان باسل ورائد مهدي وهما على رأس عملهما.

وقبل استشهاده بثلاثة أيام، ترك الطبيب باسل مهدي رسالة عبر حسابه بفيسبوك، قال فيها: “ما في حدا راح يموت ناقص عمر.. بس في ناس راح تموت ناقصة كرامة.. ناقصة إنسانية.. ناقصة مبدأ.. خبتم وخابت عروبتكم ولا حياكم الله ولا سامحكم”.

أما الطبيب مدحت صيدم فقضى جميع أيامه في المستشفى يداوي الجرحى والمصابين، وعندما قرر العودة إلى أسرته لقضاء بعض الوقت معهم ليطمئن عليهم، كان الموت ينتظره هو وكل أفراد أسرته، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي منزلهم الذي يقع قرب المستشفى.

وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فوجئ الطبيب الصيدلي إياد شقورة (42 عاما) الذي يعمل وقت الحرب في غرفة الطوارئ، بوصول جثث أطفاله وأمه وأقاربه إلى المستشفى.

وقُتلت عائلة شقورة إثر غارة إسرائيلية أصابت منزلا في خان يونس جنوب قطاع غزة الذي تقصفه إسرائيل بلا هوادة منذ 39 يوما.

وبدأ الطبيب بتعداد أسماء أصحاب الجثامين واحدا تلو آخر: “في هذه الضربة فقدت والدتي زينب أبو دية، وفقدت أخواي محمود وحسين شقورة، وأختي إسراء شقورة مع ابنيها حسين ونبيل، وفقدت ابناي فلذتا كبدي عبد الرحمن (7 سنوات) وعمر (5 سنوات)”.

وفي مشهد آخر من صمود أطباء غزة أظهره مقطع فيديو نشره الطبيب الفلسطيني في مجمع الشفاء محمد سمير زيارة على إنستغرام وهو يأكل الخبز، قائلا: “والله زمان عن طعم الخبز”.

وكتب الطبيب في النص المرفق بالفيديو: “وصلنا خبز مش عارفين من قدّمه لنا، والله ما عرفنا من وين حتى الآن، بس واضح إنه مخبوز داخل المستشفى”.

وفي ظل انقطاع الكهرباء والوقود عن المستشفيات، لجأ الأطباء لإجراء العمليات الجراحية للمصابين على ضوء الهاتف المحمول، كما أظهرت المشاهد المنتشرة على منصات التواصل.

وحظي صمود الأطباء في مستشفيات غزة بإشادات عالمية واسعة من بينها إشادة من الطبيب النرويجي الشهير مادس غيلبيرت الذي أعرب عن فخره بأداء الطواقم الطبية في غزة حيث وصفهم بـ”الشجعان الذين لا يعرفون الاستسلام”.

واستعان الطبيب غيلبيرت الذي كان متطوعا للعمل في غزة خلال الـ16 عاما الماضية بفيديو من داخل إحدى المستشفيات لعلاج طفلة مصابة بحروق جراء العدوان الإسرائيلي وهي تتلقى علاجا بأقل الإمكانيات.

ودوّن غيلبيرت على الفيديو: “غزة لا تستسلم، زملائي الشجعان في مستشفى جنوب غزة يعالجون الأطفال المحروقين بما لديهم مثل المراوح اليدوية لتسكين الألم، لا تتوفر مسكنات للألم بسبب الحصار الإسرائيلي القاسي والشامل على غزة، لكن شعب غزة الشجاع لا يستسلم ولا ينبغي لنا أن نفعل ذلك”.

ومادس غيلبرت طبيب نرويجي وناشط عالمي في العمل التضامني، ذاع صيته بعد أن ركز بجميع وسائل الإعلام على دحض روايات الاحتلال عن وجود أنفاق للمقاومة الفلسطينية تحت مجمع الشفاء وتوبيخ المنظمات الأممية لفشلها في إنقاذ أهالي غزة من أهوال الحرب.

وفي 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، نشر طالب الطب وسفير النوايا الحسنة لدى الاتحاد الأوروبي عز الدين لولو، فيديو عبر حسابه على إنستغرام، يؤكد صمود الأطباء داخل مستشفى الشفاء بشمال غزة رغم استمرار قصف نقاط في المجمع الطبي.

وقال لولو: “من المحتمل أن تقصف المشفى بالكامل خلال ساعات، لكن لن نخرج إلا منتصرين أو شهداء، فنحن نخدم آلاف المرضى والنازحين داخل مجمع الشفاء ولن نتخلى عنهم، سامحونا”.

وقالت منظمة الصحة العالمية اليوم الثلاثاء، إن أكثر من نصف المستشفيات في قطاع غزة خارجة عن الخدمة بسبب شح الوقود والهجمات الإسرائيلية والبيئة غير الآمنة.

وأوضحت في بيان، أن 22 مستشفى من أصل 36 في غزة خرجت عن الخدمة، وأن المتبقي منها لا تتوفر فيها المستلزمات الطبية لمواصلة العمليات الجراحية الحرجة وتوفير العناية المركزة.

ومنذ 39 يوما، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، خلّفت 11 ألفا و240 شهيدا فلسطينيا، بينهم 4 آلاف و630 طفلا، و3 آلاف و130 امرأة، فضلا عن 29 ألف مصاب، 70% منهم من الأطفال والنساء.

 

المحتوى ذو الصلة